مستقبل العملات الرقمية ما بين الإنتشار والإنحصار

حققت العملات الرقمية في الفترة الأخيرة الكثير من الشهرة على مستوى العالم، وخصوصاً مع إرتفاع أسعارها بشكل جنوني قبل عامين وفي مقدمتها عملة البيتكوين المشفرة، الأمر الذي أدى لظهور عدد كبير جداً من العملات المتنوعة الأخرى معتمدة على هذا الصيت الواسع، الأمر الذي جعل شركات كبرى ومواقع إلكترونية تتبنى تعدين عملات رقمية خاصة، وفي مقدمة هذه الشركات موقع فيسبوك الذي أعلن مؤخراً عن قرب إنتاجه لعملة ليبرا الرقمية (libra) للتسهيل على مستخدمي الموقع الإجتماعي إجراء تعاملاتهم المالية، هذه الخطوة التي جعلت حدة الحديث ترتفع في أرجاء العالم عن المخاطر المترتبة عن توسع إنتشار العملات الرقمية، وعن آثارها السلبية في ضخ أموال لصالح الأعمال المشبوهة مثل تمويل الجماعات الإرهابية وتبييض الأموال وتجارة المخدرات، ولكن في يبدو أنه هناك تهديدات أخرى أكثر خطورة من ذلك.

يرى البعض أن العملات المشفرة هى المستقبل والصورة المثلى للتعامل مع الأموال في ظل التطور التقني والتكنولوجي، وخاصة مع التوسع في عمليات التسوق عبر الإنترنت، والإبتكارات الحديثة التي تستخدم الذكاء الإصطناعي مثل أجهزة الروبوت وغيره، وما يترتب على ذلك من تغير أشكال الحياة مستقبلاً لتصبح مختلفة تماماً، وتأتي العملات في صدارة الأحاديث في الأروقة المغلقة بين الحكومات والبنوك وغيرها، لأن الأمر أصبح يأخذ منحني مختلف مع إقبال الكثيرين على تداول عملة البيتكوين لتحقيق أرباح منها، وهذا دفع وسائل الإعلام المعنية بالأخبار الإقتصادية والمالية أن تداول أخبارها وتتناولها بالحديث، مثلها مثل الحديث عن أخبار سوق بورصة العملات التقليدية وأسعار خام النفط، وهذا يشير أن قبول وجود العملات الرقمية في التعاملات المالية أصبح أكثر رواجاً وقبولاً، ولكن ليس على المستوى الرسمي للدول.

أهم المخاوف من الإعتماد على العملات الرقمية

أهم المخاوف من الإعتماد على العملات الرقمية بالرغم من أنه هناك مخاوف كبيرة من إستغلال مزايا العملات الرقمية بشكل سلبي في الأعمال المشبوهة مثل تمويل الإرهاب، إلا أنه هناك مخاوف وتهديدات أكبر لها، وهذا يتمثل في أنها سوف تحجم دور المصارف المركزية التي تتحكم في حجم سيولة الأموال في الدول، لأنها هى التي تتحكم في حجم إصدار العملات، وبما أن العملات الرقمية تعمل بدون أي رقابة ولا تخضع لأي سيطرة من جهة ما أو بدون مراعاة أي عوامل إقتصادية في الدولة التي تقوم بتعدين العملة، ولكن ترتبط أسعارها وتعدينها وفق حالة العرض والطلب عليها التي لا أحد يمكنه التكهن بها، والتي قد تتأثر بالمضاربات الغير منطقية وفق مصالح بعض الشركات، وهذا ما نراه بالفعل في تقلب أسعار عملة البيتكوين الرقمية.

هذا بجانب إمكانية أن تكون الشركات والمؤسسات الربحية أكثر المؤثرين في عملية المضاربة على العملات الرقمية، لأن كل مؤسسة يمكنها أن تشكل تحالف قوي وتقوم بتعدين عملة رقمية خاصة بها، وبالتأكيد أن هذا الفعل سيؤدي إلى وجود تكتلات أكثر نفوذاً وقوة، ولا سيما بعد صدور النظام الجديد لمنظمة التجارة العالمية، الذي أعطى هذه الشركات الكبرى نفوذ أقوى من خلال قدرتها على التوسع الجغرافي في العديد من الدول، الأمر الذي سمح أن تكون هذه المؤسسات متعددة الجنسيات تعمل بشكل دولي، وتعتبر السلطات والحكومات في معظم دول العالم أن وجود تحالفات بهذا الشكل وهذه النفوذ تشكل تهديداً لها وتحد من نفوذها في المستقبل، لأن السيطرة على الأموال من أساسيات عمل الحكومات وتكسبها قوتها، ومن هذا المنطلق لن تقف الدول مكتوفة الأيدي، بل تقوم بمنع التعامل بالعملات الرقمية وبعض الدول أخذت موقفاً أكثر صرامة ووضعت قوانين لتجريم التعامل بها، في حين قامت بعض الدول الأخرى لدعم عُملتها التقليدية لتلقى قبول دولي، وبالتالي تجد مردود إجابي على إقتصاد البلد.

من المتوقع أن تكون الحرب التجارية القادمة ما بين الدول نفسها وبين الشركات حول مستقبل العملات الرقمية، لأن حكومات الدول على مستوى العالم تعتمد على قوة عملتها التقليدية في السوق لتحسين ظروف المواطنين محلياً ودولياً، بينما تعتمد المؤسسات الكبرى والشركات على إمكانياتها الإنتاجية، بمعنى أن الشركة ستعتبر العملة الرقمية التي ستقوم بتعدينها بمثابة إيصالات تمثل قيمة إنتاجها سواء كان خدمات أو سلع ومنتجات، بجانب مستوى مركزها المالي وقدرتها على تحقيق النمو في أنشطتها.

وهذا الصراع التجاري الذي يشتد يوماً بعد يوم في العالم بأثره وخصوصاً في الدول المتقدمة، لا أحد يمكنه التنبؤ إلى أين سيصل وإلى أين سيصل الأمر بالعملات التقليدية التي يتعامل بها الناس، فإذا تمكن موقع فيسبوك من تعدين عملة رقمية ووجدت رواج كبير، هذا سيحفز الكثير من الشركات الأخرى سواء الإلكترونية أو التقليدية أن تدخل في تحالفات كبيرة وتقوم بتعدين عملات خاصة بها، مثل شركة ألفابت صاحبة متصفح جوجل، أو شركة آبل وغيرها، ولو حدث هذا فسيكون له خطورة كبيرة وخاصة أن مثل هذه الشركات لها عدد هائل من العملاء والمستخدمين حول العالم الذين بدون شك أنهم سيستخدمون العملة التي ستصدرها هذه الشركات.

وفي ظل كل هذا يبقى التحدي الأعظم أمام الإقتصاد في العالم هو أنه كيف سيتعامل مع هذه الظروف المتغيرة؟ ولا سيما أن معظم حكومات الدول ترفض هذا التحول المالي، بالرغم من أن هذا الرفض غير دائم فقط حتى تتخذ هذه العملات الرقمية أوضاعها الحقيقية في العالم، وقتها يمكنها أن تسلك واحد من طريقين، إما ترفض هذه العملات رفضاً قاطعاً وتمنع هذه الشركات من تعدين هذه العملات، وهذا من الصعب أن يحدث، أو تجد طريقاً لتتعاطى معها.

في النهاية يمكننا أن نقول أن فوائد العملات الرقمية لا يمكن الحكم عليها الآن من منظور تكنولوجي فقط، لأنها قد يكون له مزايا إجابية عديدة، أهمها أنها تسهل إجراء المعاملات المالية حول العالم بدون رقابة أو سيطرة البنوك على الأموال، كما أن الشركات التي تستخرجها ستكتسب نفوذ أوسع هى في الأساس نفوذ خاصة بالبنوك والحكومات، كما أن الكثيرين سيستغلون مزايا العملات الرقمية بطريقة سيئة في تنفيذ عمليات مشبوهة مثل تمويل الإرهاب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال. للمزيد عن كل ما يخص العملات الرقمية وكيفية الإستثمار بها قم بزيارة arabfinancials.org لأنه واحد من أفضل المواقع الموثوق بها في مجال الإستثمار في العملات الرقمية.

پاسخ دهید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *